قصة الجينات الخردة !

الكاتب: د. فراس كالوتاريخ النشر: وقت القراءة:
للقراءة

ما هو الجين أو المورثة ؟

في البداية؛ فإن الجينة (Gene) أو المورثة هي الوحدة الأساسية للوراثة، فضمن هذه المورثات أو الجينات (Genes) يتم تشفير أو ترميز المعلومات اللازمة لتكوين أعضاء وصفات الإنسان والوظائف العضوية الحيوية له، وتتواجد الجينات عادةً ضمن المادة الوراثية المتمثلة بالدنا (DNA) أو مايعرف بالحمض النووي الريبي منقوص الأكسجين، ويكون الدنا (DNA) على شكل سلسلتين من الجزيئات مرتبطتين ببعضهما بشكل لولب مزدوج، وتسمى المادة الوراثية الكاملة للإنسان باسم الجينوم البشري أو (Human Genome).
"الحمض النووي مثل برنامج الكمبيوتر، لكنه أكثر تقدماً بكثير من أي برنامج تم صنعه حتى الآن" ــ بيل جيتس - مؤسس شركة مايكروسوفت

متى بدأ استخدام مصطلح الجينات الخردة (Junk Genes)، و لماذا ؟

في عام 1970م، كان الانطباع الأول لعلماء الأحياء والوراثة عن الجينات الوظيفية بأنها قطعٌ صغيرةٌ من الحمض النووي عائمةٌ في بحرٍ من الجينات عديمة القيمة، ما دفع وقتها العالِم فرانسيس كريك، الذي شارك في اكتشاف بنية الدنا، ليقول عنها: "أفضل قليلاً من الخردة"، ثم في عام 1976م صرح د. ريتشارد دوكنز قائلاً: "إن كمية الحمض النووي الموجودة هي أكثر بكثير مما تحتاجه الكائنات لبناء أجسامها....وأبسط تفسير لتلك الخردة هو اعتبارها متطفل".
منذ ذلك الحين صارت عبارة "الدنا الخردة" أو "الجينات الخردة" رائجة في أوساط علم الوراثة، وفي عام 2000م قدَّم العلماء مشروع الجينوم البشري الذي أظهرت نتائجه الأولية أن الغالبية العظمى من التسلسل الجيني - ربما 97% - ليس لديه وظيفة واضحة، وهذا الظن الخاطئ للعلماء رسخ فكرة الجينات الخردة أكثر، لتنتشر بعدها في الكتب المطبوعة حديثاً وفي النقاشات العلمية الجديدة.

ما هو مشروع إنكود (ENCODE) وكيف أسقط مصطلح الجينات الخردة ؟

لكن الحال تغير كلياً على يد فريق علمي أوربي في نهاية عام 2012، في مشروعٍ ضخمٍ لإعادة دراسة الجينوم البشري اسمه ENCODE، بقيادة العالِم إيوان بيرني (Ewan Birney) من معهد المعلوماتية الحيوية الأوروبي في كامبريدج، إنجلترا، فقد قاد إيرني فريقاً بحثياً مكوناً من أكثر من 400 عالِم لإعادة دراسة الجينوم البشري، في هذا المشروع الذي غير فهمنا كلياً لعالم الوراثة وما تخبأه هذه الجينات الخردة من كنوز !
لقد كشف هذا المشروع أن ما كان يوصف بجينات خردة؛ تحوي عناصر وراثية هامة للغاية، وأن لها دوراً وظيفياً بيوكيميائياً، فقد عُثِر على مجموعة مذهلة من العلامات والمفاتيح المخبأة ضمن الدنا الذي كان يعتقد سابقاً أنه خردة !

نهاية مصطلح الجينات الخردة

رغم أن الدراسات السابقة كانت تقول بأن نسبة 3 إلى 15 في المئة فقط من الجينوم له أهمية وظيفية، والباقي بلا فائدة (خردة)، كشف لنا مشروع ENCODE أن النسبة قد تصل إلى 80 في المئة من الجينوم  له أهمية وظيفية ! 
تقول المجلة العلمية المشهورة نِتشِر (nature) عن البيانات القادمة من هذا المشروع: 
"مكَّنتنَّا هذه البيانات من تخصيص وتحديد الوظائف الكيميائية-الحيوية لحوالي 80٪ من الجينوم البشري".

أعتقد حقاً أن هذه العبارة لم نعد نحتاج لها تماماً في القاموس (يقصد مصطلح الجينات الخردة) - العالم إيوان بيرني

يقول بيرني: "لقد كان معلوماً لدينا دائماً بأن هناك جينات مرمزة للبروتين، وقد كان واضحاً دائماً بأن هناك تنظيم، لكن ما كنا نجهله فقط كم هي واسعة النطاق بالضبط"، ومن ناحية أخرى، فإن الانْتِساخ (Transcription) أي نسخ الدنا (DNA) إلى الحمض النووي الريبي (RNA) يبدو أنه يحدث طوال الوقت، في الواقع حوالي 80% من الجينوم تتم ترجمته وانتساخه ! ورغم ذلك مازال هناك أشياء نجهلها ونحاول كشفها في المستقبل، يتوقع قائد فريق البحث أنهم يحتاجون مابين 50-100 سنة أخرى لفهم الجينوم البشري بشكل كامل!

في النهاية نختم مقالنا هذا بالسؤال الذي وجهه الكاتب في مجلة ساينتفيك أميريكان (scientific american) إلى العالِم بيرني؛ قائلاً : هل يعني هذا تقاعد مصطلح الدنا الخردة الآن؟ يجيب العالم بيرني بثقة: "نعم، أعتقد حقاً أن هذه العبارة لم نعد نحتاج لها تماماً في القاموس!"

المصادر

شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

3832924411066597358

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث