💡

قطة شرودنغر ؛ القطة التي أدهشتنا !

قطة شرودنغر ؛ القطة التي أدهشتنا !

نتناول في هذا المقال من السلسلة المبسطة التي نقدمها حول ميكانيكا الكم موضوع قطة شرودنجر ، وهو من أغرب ماتقدمه هذه النظرية من فلسفة عميقة بالنسبة للوعي البشري ؛ ولعل العديدين قد تناولوا هذا العالم الغامض وسعى الكثير من الفيزيائيين لإزالة الضباب والهالة السوداء التي تحيط بوعينا عند الحديث عن ميكانيكا الكم أو الكوانتم، و بعض ظواهرها وهنا محاولة جادة لتحطيم الحاجز بيننا وبين الكم ضمن مبادرتنا العلمية.

قطة شرودنغر !

ومن منا لم يسمع بقطة شرودنغر الشهيرة تلك القطة التي جعلت وعينا البشري في مأزق يحتاج الإجابة، فما هي قطة شرودنغر؟ وما قصتها؟ بدايةً قطة شرودنغر ترمز إلى تجربة ذهنية فكرية تخيلية؛ قدمها عالم الكم الفيزيائي النمساوي إرفن شرودنغر الحائز على نوبل في الفيزياء عام 1933؛ تهدف هذه التجربة إلى إيضاح تأثير الوعي البشري في عملية الرصد والقياس وحسم الأمور وخصوصاً في الحالات الكمومية.

ماذا تحوي تجربة قطة شرودنجر ؟

في تجربة قطة شرودنغر (Schrödinger's Cat experiment) لدينا: صندوق معدني مغلق لا يتأثر بالمحيط الخارجي؛ وتوجد بداخله قطة؛ وعداد لقياس الإشعاعات يدعى عداد غايغر-ميولر، وزجاجة تحوي مادة سامة هي حامض الهيدروسيانيك، وكمية من مادة مشعة بحيث تكون (احتمالية) تحلل المادة المشعة بعد ساعة واحدة (ممكنة)؛ وأضف على هذه المحتويات مطرقة.

سير التجربة 

إذا تحللت المادة المشعة؛ فسيقوم عداد غايغر-ميولر بطرق المطرقة، والتي بدورها ستكسر الزجاجة الحاوية على المادة السامة والتي ستسيل وتقتل القطة؛ وإن لم تتحلل المادة المشعة فلا يحدث شيء من ذلك وتبقى القطة حية.
و الآن سأصحبك معي بعد ساعة واحدة فقط، والصندوق مغلق، وأنت وأنا لا نعلم إن كانت القطة قد ماتت أم لا ، في الحقيقة لا نستطيع الحكم على حياة القطة أو موتها إلا إذا قمنا بفتح الصندوق المغلق و نتأكد من حياتها أو موتها، هكذا يقول المنطق!

فقبل فتحنا للصندوق المغلق سنكون في حالة شك وارتياب ذهنيٍّ؛ في أي حالة ستكون القطة ؟
ميكانيكا الكم تقول بأنها ستكون موجودة في حالة تراكب (الموت-حياة)، ولن يزول هذا الشك والارتياب إلا إذا قمنا بفتح الصندوق لنحكم على قطتنا بالحياة أو الموت.

إذا سأصل بك للنتيجة التالية؛ كن منتبهاً !

بدون الإستعانة بعملية الرصد البشري المباشر تكون المادة المشعة عبارة عن دالة موجية أي احتمال أنها تفككت 50% (قطة ميتة)، واحتمال أنها لم تتفكك 50% (قطة حية).

وهنا عزيزي القارئ نذكِّر بأن الجسيمات الذرية ودون الذرية كالفوتون والإلكترون موجودة في الطبيعة بحالة تراكب وتكون دالة موجية بمعنى أخر (موجة-جسيم) وهي الإزدواجية، وهذا يدعونا لنعود بك إلى تجربة شقي يونغ في مقالنا السابق عندما نقوم بعملية رصد للإلكترون أو الفوتون بمفرده؛ سنجده بحالة جسيم أي بالصفة الجسيمية، وهذا يشبه عملية فتحنا للصندوق للحكم على القطة، وعند عدم وجود عملية رصد تماماً مثل وقوفنا أمام الصندوق قبل فتحه يكون الإلكترون بدالة موجية؛ ولا نستطيع الحكم على صفته.
فتجربة قطة شرودنغر مثال مشهور على الانفصام بين الصحة الرياضية والواقع الفيزيائي لظاهرة ما.

وفي حالة فتح الصندوق و رؤية القطة نُجبَر على اختيار حالة واحدة فقط: حياة أو موت و هنا تنهار الدالة الموجية لتحدد صفة واحدة فقط؛ تماماً كالإلكترون الذي عندما نرصده تنهار الدالة الموجية لتحدد صفة الجسيم فقط.

وهذه التجربة هي علاقة تأكيد على الترابط المتين بين ميكانيكا الكم والاحتمالات وهذا الأمر لم يكن يعجب أينشتاين!

و لتجربة قطة شرودنغر تفسيران

التفسير الأول حدثتك عنه وهو تفسير كوبنهاغن* 

القطة قبل فتح الصندوق ميتة وحية بنفس الوقت (الاحتمالية 50% لكلا الحالتين)، وعند فتح الصندوق تختار حالة واحدة فقط (يصبح لدينا احتمال واحد فقط مؤكد 100%).

التفسير الثاني

يفترض هذا التفسير أنه عند فتح الصندوق؛ إن رأينا قطتنا حية فإنها ستكون بنفس الوقت ميتة في كون موازي لكوننا فرضياً؛ وهذا الأمر سنأتي عليه في وقت لاحق عند طرح نظرية الأوتار أو ما يعرف باسم نظرية كل شيء.

وقبل أن أنقل تحيتي لك على صحبتك لنا في مقالنا هذا؛ دعني أنقل لك إعتذار العالم شرودنغر بقوله الذي لربما لم تسمع به من قبل: "لو كان على المرء أن يلتزم بهذا القفز الكمومي الملعون فإنني آسف لأنني شاركت هذه النظرية !"

وأتمنى أن قطة شرودنغر أصبحت في قبضتك الآن عزيزي القارئ !

* تفسير كوبنهاغن

هو أحد أهم التفسيرات شيوعاً في علم ميكانيكا الكم، ويفترض أن ميكانيكا الكم لا تُسفِر عن وصف الظواهر الطبيعية بشكل موضوعي ولكن تتعامل فقط مع احتمالات الرصد والقياس، ولعل أغرب فروض هذا التفسير أن عملية القياس تؤثر على سلوك النظام الكمي؛ بمعنى أن عملية القياس تسبب ما يعرف بـ انهيار الدالة الموجية، وقد وضعت المفاهيم الأساسية لهذا التفسير من قبل نيلز بور وفيرنر هايزنبرج وماكس بورن وغيرهم في السنوات 1924-1928م.

المصادر

  1. iflscience.com
  2. meditationandspiritualgrowth.com
  3.  Hermann Wimmel (1992); Quantum physics & observed reality: a critical interpretation of quantum mechanics. World Scientific