زرعات دماغية لاسلكية تُعيد الحركة لنسناسٍ مشلول !
اعتُقِدَ يومًا أن الشّلل عبارة عن حالةِ عجزٍ دائمة، والّذي غالباً سببه انقطاع الإشارات بين الدّماغ والحبل الشّوكي، والّتي تعذر إصلاحها، ولكن حدث في السّنوات القليلة الماضية فهمٌ أفضل للوصلات العصبيّة في الدّماغ مكّنَّ العلماء من تغيير مفهوم إمكانيّة علاج حالة الشلل الدائم، وأنّه في الواقع يمكن استعادة الحركة في المناطق المشلولة !
واليوم؛ تقدّم الباحثون خطوةً إلى الأمام من خلال جهازٍ لاسلكيٍّ جديد، وصغير جدًّا، تمّت زراعته في نسناسٍ مشلول؛ مكّنه من إستعادة التحكّم بأجزاءٍ من ساقيه أصيبت سابقًا بالشلل، ممكّنةً إياه من المشي مرّة أخرى!
ويمثّلُ هذا النّجاح خطوةً أخرى في طريق صناعة أجهزةٍ مماثلة من أجل البشر، ففي بعض حالات الشّلل تكون معظم -وليس كلّ- الخلايا العصبيّة الّتي تساعد العضلات على الحركة تكون تالفة، وهذا يمنع الدّماغ من القدرة على إرسال إشارات تخبر مجموعاتٍ عضليّةٍ معيّنة بالحركة، ولكن إذا وجد الجسم طريقة لتقويةَ خلايا عصبيّة سليمة، فإن الأخيرة تكون قادرة على إنجاز المهمّة الصعبة، بنفسها،واستعادة القدرة على الحركة.
في الدّراسة الجديدة الّتي نُشرت نتائجها هذا الأسبوع في مجلّة Nature، زرع الباحثون أجهزة لاسلكيّة صغيرة في أدمغة نسناسين مشلوليّ الأطراف الخلفيّة.
سجّل الجهاز إشارات كهربائيّة من القشرة الدّماغيّة المسؤولة عن الحركة، وأرسلها إلى حاسوب، وبعد ذلك، قام الحاسوب بترجمة تلك الإشارات إلى إشارة تستطيع تفسيرها أقطابٌ متّصلةٌ بمجموعة من الخلايا العصبيّة في النّخاع الشّوكي، وقد تمكنت القرود من تحريك سيقانها المشلولة.
وعلى عكس التّقنيات المشابهة الّتي تتطلّب أن يكون الشّخص مرتبطًا بأسلاك إلى جهاز حاسوب، فإن هذه التّقنية الجديدة لا سلكيّة تمامًا، وترتدي القرود فقط حقيبةَ ظهرٍ تستقبل وترسل إشاراتٍ من وإلى الدّماغ.
هذا النّجاح هو واحدٌ من عدّةِ إنجازات تحقّقت في السّنوات الماضية، حيث يواصل العلماء تحسين فهمهم لِكيف تُمكِّن الإشارات الكهربائيّة المرسلة من الدّماغ الأطراف من الحركة.
يقول عالم الأعصاب في جامعة نيوكاسل أندرو جاكسون: "إنّها فريدة من نوعها، ليس فقط لأنّها تلغي الحاجة للأسلاك، بل لأن الجهاز الجديد هو تحفيز في حلقة مغلقة"، الّذي يفسّر إشارات المخّ في الوقت الفعليّ، عكس الأجهزة المستخدمة حاليًّا في حالات الشّلل لدى البشر، فإنّها عبارة عن حلقة مفتوحة (مقطوعة).
والّذي يعني أنّها تتطلّب تحفيزّاً متكررًا لإثارة أو إيقاظ الخلايا العصبيّة الناجية من الإصابة. هذا يقوّي تلك الخلايا العصبيّة مفردة، لكن نظام الحلقة المغلقة يقوّي اتّصال شبكة كاملة من الخلايا العصبيّة بين المخ والحبل الشوكي.
وفي حين أن هذه تجربة هدفها إثبات صحّة فكرة معيّنة، لكن العمل على إيجاد جهازٍ يربط بين الدماغ والحاسوب ومناسبٍ للبشر، لم يكتمل بعد.
نجح هذا النّظام في السماح بحركة عضلاتٍ أوسعُ نطاقًا، كتحريك الأقدام للمشي، ولكنّه سيكون أقلّ نجاحًا في حالات تحتاج حركة أكثر دقّة، مثل التغيير الطّفيف في اتّجاه طرف معيّن لتحقيق التوازن؛ كما تستمرّ الأبحاث؛ فإن العلماء بحاجة لفهم أفضل لكيفيّة عمل هذه الحركات الدّقيقة، وكيف يمكن ربطها بالجهاز اللاسلكيّ.