هل للكون بداية ونهاية أم أنه سرمدي ؟!
ما بين نظرية الانفجار العظيم، و نظرية الحالة الثابتة للمادة ؛ هل للكون بداية و نهاية ؟ أم أن كوننا سرمدي لا بداية له ولا نهاية ؟الإجابة عن هذه المعضلة في هذا المقال.نظرية الحالة الثابتة
في عام 1949م تبنى مجموعة من علماء الكونيات نظرية الحالة الثابتة (Steady State Theory) كتفسير لنشأه الكون وكسيناريو لنهايته في المستقبل البعيد، وكان من أشهرهم الفلكي البريطاني ألفريد هويل، ومع أن هذه النظرية كان مناخها فلسفياً عميقاً، إلا أنها ظلَّت نظرية علمية مقبولة حينها لأنها استندت في طروحاتها على ملاحظات واستنتاجات علمية.
الافتراضات النظرية لنظرية الحالة الثابتة
تدعي هذه النظرية أن الكون سرمدي أي أنه أزليٌ وأبديٌ، يعني أنه موجود من الماضي السحيق وسيستمر حتى ما لانهاية، بمعنى آخر لا بداية للكون ولا نهاية له، وهذا الطرح لم يكن جديداً علينا كفيزيائيين، لأننا نعرف أن كثيراً من الفلاسفة وعلماء "الكلام" نادوا به، وكان راسخاً أيضا في قلب بعض المعتقدات الدينية عند بعض الشعوب، إلا أن ما ميزَّ طرح "هويل" وزملائه؛ أنه استند إلى ملاحظات علمية بناءً على أدوات القياس المتاحة وقتها، وأن النظرية التي جاء بها "هويل" كانت ناتجة من عمل علمي وملاحظات ورصدٍ مستندٍ إلى منهجية علمية، ورغم ذلك كان مصيرها الإخفاق !
أين أخفقت نظرية الحالة الثابتة للمادة ؟
ولكن تصور هؤلاء العلماء القائم على أن الكون لا بداية له ولن تكون له نهاية، اصطدم بالنتيجة التي توصل لها العالِم الأمريكي "إدوين هابل" بأن الكون يتمدد وأن المجرات تتباعد عن بعضها البعض بسرعة "خرافية"، لكنهم قالوا أن هذا كله لا يؤثر في صلب نظريتهم، لأنه حسب "الحالة الثابتة" فالكون الثابت، كثافته ثابتة، وتمدد الكون وزيادة حجمه لا بغير قيمة الثابت الكوني، والسبب حسب النظرية أن الكون يُوَّلِد مادة جديدة للمحافظة على ثابت الكثافة الكوني، وأن كل عمليات الولادة الجديدة للنجوم والسدم والمجرات هي عبارة عن رد فعل طبيعي ليحافظ على حالة الاتزان بين المادة والفراغ في الكون، حسب زعمهم.
ورغم هذه الفرضيات الضعيفة إلا أننا كفيزيائيين لا يمكننا إنكار الحسابات التي قام بها "هويل" وزملاؤه لتفسير نشأة ووفرة كل العناصر الأثقل من الهيدروجين في الكون، ولكن كان أول فشل لنظرية الحالة الثابتة هو عدم قدرتها على تفسير نشوء الهيدروجين والهيليوم وكمياتهم الضخمة في الكون.
نظرية الانفجار العظيم تنتصر !
كفيزيائيين نحن لا نقبل إلا بالحُجة والبرهان وسقف قبول الآخر لدينا مرتفع، ففي الوقت الذي فشلت فيه نظرية الحالة الثابتة للمادة في تفسير نشوء الهيدروجين والهيليوم ، نجحت نظرية الانفجار العظيم (Big Bang theory) في أن تقدم تفسيراً جيداً ومنطقياً لكميات الهيدروجين الكبيرة في الكون، باعتبار أن الكون بدأ أصلاً من متفردة صغيرة جداً انفجرت وتمددت ترليونات المرات خلال أجزاء من البليون من الثانية، وبعدها بدأ ظهور الجسيمات دون الذرية مثل الكواركات وبعدها تكونت القوى الطبيعية، ما أدى إلى إنتاج ذرة الهيدروجين الأولى.
وهذا يؤكد بوضوح أن هناك نقطة بداية نشأ منها الكون الذي نعيش فيه، ويخالف أزلية الحالة الثابتة للمادة، أيضاً نشأت أجرام كونية غريبة جداً حتى على العلماء في تلك الفترة ولم تقدم نظرية الحالة الثابتة تفسير لأي منها.
طبعاً ظل الوسط العلمي منقسم بين مؤيد ومعارض حتى عام 1965م عندما رصد العالم "ويسلون" إشعاع الخلفية الكوني لأول مرة؛ حيث كان أثراً ودليلا واضحاً ودامغاً على حدوث الانفجار العظيم !
إذاً هل للكون بداية ونهاية ؟
من الواضح الآن أن الكون ليس أزلياً ولا أبدياً إطلاقاً، لكنه محكوم ببداية وسيكون له سيناريو للنهاية، ويمكن حساب تاريخ بدايته تقريبياً، فحسب أفضل الحسابات الموجودة حالياً يُقدَّر عمر الكون بحوالي 13.7 مليار سنة !