💡

تحدب الزمكان - الفضاء المنحني

تحدب الزمكان - الفضاء المنحني

ما هو انحناء الزمكان ؟

إن فكرة انحناء الزمكان أو تقوسه عَصِيَّة للغاية على الاستيعاب، لدرجة أن الفيزيائيين لا يحبون في الواقع تصور الأمر ذهنيٍّا.
ففَهْمنا للخصائص الهندسية لعالمنا الطبيعي مبني على ما تحقق من إنجازات على يد أجيال من الرياضيين عبر التاريخ البشري ابتداءً من الإغريق، ومن أبرزهم: نظام إقليدس الشكلي الذي يضم أشياء على غرار نظرية فيثاغورس ومفهوم أن الخطوط المتوازية لا تتقاطع وأن مجموع الزوايا الداخلية للمثلث يساوي ١٨٠ درجة، وما إلى ذلك.

كل هذه القواعد جزءٌ من صرح الهندسة الإقليدية، لكن هذه القوانين والنظريات ليست محض رياضيات مجردة، فنحن نعلم من واقع خبرتنا اليومية أنها تصف خواص العالم المادي على نحو جيد للغاية.

إن قوانين إقليدس تُستخدم كل يوم من جانب المعماريين والمسَّاحين والمصممين ورسامي الخرائط؛ أي فعليٍّا من جانب كل شخص ذي علاقة بخواص شكل المكان وموضع الأجسام فيه، فالهندسة علم واقعي ملموس.
ومِن ثَمَّ، يبدو من البديهي أن هذه الخواص المكانية التي تشرَّبناها منذ الصغر ينبغي أن تنطبق على ما يتجاوز نطاق مبانينا والأراضي التي نمسحها، فمن المفترض أن تنطبق على الكون إجمالًا، ولا بد أن قوانين إقليدس جزء لا يتجزأ من نسيج العالم نفسه، أم أن الأمرُ عكس مانتصور؟

بالرغم من أن قوانين إقليدس تتَّسم بالأناقة الرياضية والإقناع المنطقي، فإنها ليست المجموعة الوحيدة من القواعد التي يمكن أن تشيِّد نظامًا هندسيٍّا، وقد أدرك رياضيون من القرن التاسع عشر، على غرار جاوس وريمان، أن قوانين إقليدس تمثل فقط حالة خاصة من الهندسة يكون فيها سطح المكان منبسطًا، ومن الممكن تشييد أنظمة أخرى يتم فيها خرق هذه القوانين.

فعلى سبيل المثال، في مثلث مرسوم على ورقة منبسطة، تنطبق نظريات إقليدس على هذه الحالة، ولذا يجب أن يساوي مجموع الزوايا الداخلية للمثلث ١٨٠ درجة (أي ما يعادل مجموع زاويتين قائمتين).
هذا النوع من التفكير يصلح على نحو جيد بالنسبة إلى الهندسة ثنائية الأبعاد، لكن عالمنا له ثلاثة أبعاد مكانية، وبالتالي علينا أن نتعامل معه بطريقة مختلفة.

فكِّر الآن فيما سيحدث إذا رسمتَ مثلثًا على سطح كرة ولتكن الكرة الأرضية مثلاً؟
فمن الممكن أن ترسم مثلثًا على سطح كرة يكون متساوي الساقين وبه زاويتين قائمتين، وهذا يخالف الهندسة الإقليدية!

إن التفكير في المكان بوصفه قطعة ورق منبسطة أو منحنية يشجعنا على التفكير فيه بوصفه شيئًا ملموسًا في حد ذاته، بدلًا من كونه الموضع الذي توجد فيه كل الأشياء الملموسة.
فتخيُّلُ مكانٍ منحَنٍ ثلاثيِّ الأبعاد أمرٌ أكثر صعوبة بكثير، لكن على أي حال من الخطأ على الأرجح التفكير في أننا لا يمكننا قياس المكان، بل ما يمكننا قياسه هو المسافات بين الأجسام الواقعة داخل المكان باستخدام المساطر، أوعلى نحو أكثر واقعية في السياق الفلكي، أشعة الضوء.

من الممكن رسمُ مثلثٍ متساوي الساقين بزاويتين قائمتين على سطح كرة وهذا يخالف الهندسة الإقليدية !

وتقوم النظرية النسبية على افتراض ثوري أن الفضاء محدب وقابل للتقوس والإنحناء وذلك بسبب توزع الكتلة والمادة فيه، فأي كتلة موجودة ضمن النسيج الزمكاني المشكل للفضاء يسبب انحناء هذا النسيج و يقوسه وهذا أُثبِتَ لاحِقاً بتجربة الجايلسكوبات التي أطلقتها وكالة NASA لتتحقق من نبوءة أينشتاين واتضح أن الزمكان مقوس بحق.

وبالتالي ينبثق عن مفهوم الفضاء المحدب أو المنحني أو تحدب الزمكان؛ مايلي

  1. الجاذبية (Gravity) تلك القوى التي تجعل أقدامنا مثبتة على الأرض وتمنحنا الوزن.
  2. المسارات غير المستقيمة للضوء وانحناء أشعة الضوء في الفضاء بفعل الجاذبية وتقوس الزمكان والتي لها اعتبارات هامة في تحديد مواقع النجوم و الأجرام الفلكية.
  3. بروز فكرة الثقوب الثقوب الدودية، وتشكل الأنفاق الكونية بين كتلتين مسببتين في تقوس الزمكان.
وقد نجد من الصعوبة أن تستوعب عقولنا لفكرة المكان المنحني لأننا لا نلحظ هذا الأمر في حياتنا اليومية، وهذا يرجع إلى أن الجاذبية تكون ضعيفة في الظروف الشائعة المعتادة، وحتى على نطاق المجموعة الشمسية، تكون الجاذبية ضعيفة لدرجة أن تأثير الانحناء الذي تتسبب فيه لا يُذكَر، وينتقل الضوء في خطوط مقاربة للغاية للخطوط المستقيمة لدرجة أننا لا نلحظ الفارق.

تقريب فكرة انحناء الزمكان

ولنقرب الفكرة أكثر لنفترض أن الفضاء كقطعة قماش ممتدة نسيجها الزمن والمكان؛ ووضعنا على سطحها جسم ذي كتلة محددة؛ فإن هذا الجسم المتواجد عليها سيسبب تقوسها وهنا يجدر بنا الإشارة إلى أن مقدار التقوس يتناسب طرداً مع زيادة كتلة الجسم .

فالشمس تقوس الزمكان بدرجة كبيرة على غرار الأرض التي تسبب تقوسا ضئيلاً ومن هنا تكُون الجاذبية لكل من الشمس والأرض والتي تبقي جميع الكواكب ضمن مساراتها و مدارات محددة، وكنتيجة لذلك يكون انحناءُ الضوءِ المار بقرب الشمس كبيراً نتيجة التقوس الزمكاني والجاذبية القوية الناتجة عنها ، والتي أيضا تم إثباتها بالتجربة والرصد العملي عام 1919 من قبل بعثة بريطانية في أفريقيا ليتم التحقق عملياً ونظرياً من تقوس الزمكان والنسبية العامة والجزم بنبوءة أينشتاين أعظم عقل فيزيائي في التاريخ!

المصادر

  1. تاريخ أكثر إيجازاً للزمن، تأليف: ستيفن هوكينغ و ليونرد ملوندينوف، ترجمة : أحمد عبد االله السماحي و فتح الله شيخ
  2. علم الكونيات، تأليف بيتر كولز، ترجمة: محمد فتحي خضر
  3. النظرية النسبية العامة والخاصة، تأليف : ألبرت أينشتاين، ترجمة : د.رمسيس شحاته