💡

نسبية الزمن | الجزء الأول


نسبية الزمن | الجزء الأول

قبل حوالى 350 عاماً، وفي معرض شرحه لقواعد الفيزياء العامة، كتب العالم الإنجليزي السير إسحق نيوتن عن الزمن يقول: "لست بحاجة لأن أشرح ماهية الزمن لأنه من المطلقات المتعارف عليها". لكن الحقيقة أن تصور نيوتن كان بعيداً عن الصواب، على الأقل من وجهة نظر الفيزياء الحديثة، ففي عام 1905 وهو العام الذي أطلق فيه أينشتاين النظرية النسبية الخاصة وهدم نظرة الحس العام للزمن، فطرحت النسبية الخاصة أن الزمن يمكنه أن يتمدد ويستطيل و أيضاً ينكمش ولكن كيف يتم ذلك ؟؟

مفهوم نسبية الزمن

دعونا نتجرد من بعض حواسنا في إطار وسياق بحثنا بمفهوم نسبية الزمن، ودعوني أضع هذه المسألة بمزيد من الحذر فهي تمثل جوهر النسبية الخاصة من جهة ومن جهة أخرى يعد المفهوم الأكثر بروزاً في الفيزياء والكون. 

نسبية الزمن في النسبية الخاصة

ما تأثير الحركة في المكان على الزمان؟ كما طرحنا سابقاً أن الزمن مرتبط بالمكان بمسمى الزمكان إذاً عزيزي القارئ لا بد من أن الحركة في المكان سيكون له تأثير على الزمان، وهنا المفارقة الكبرى؛ فلتضع في اعتبارك أن حركتك في المكان ستؤثر على الزمن؛ ولكن كيف؟ 
نحن نعلم جميعاً أن السرعة هي مقياس للمسافة على الزمن V=d/T فالزمن يتناسب عكساً مع السرعة؛ بمعنى آخر كلما زادت السرعة كلما تباطأ الزمن، والأمر الآخر أن قانون تمدد الزمن مبني على بعض فروض النظرية النسبية العامة لأينشتاين وهي أن للضوء سرعة محدد في الفراغ 300000000 م/ث، فمن أهم الاكتشافات الفيزيائية في عهد أينشتاين هو أن للضوء سرعة محددة؛ وهي سرعة ثابتة تمثل سقف المعادلات الفيزيائية والرياضية. 
فكلما زادت سرعة الجسم المتحرك في الأبعاد المكانية الثلاث (الطول، العرض، الإرتفاع) كلما تباطأ الزمن وتمدد؛ فلنتوقف عند هذه النقطة، فبينما أنت جالسٌ في مكانك الآن تقرأ هذا المقال انظر إلى ساعة يدك؛ أنت تتحرك عبر البعد الزمني، ولكنك جالس لا تتحرك ضمن المكان ! 
الآن قُم من موضع جلوسك وتحرك عبر المكان سينتقل جزء ضئيل جداً جداً من حركتك في الزمان (أثناء جلوسك) إلى المكان أثناء (حركتك في المكان)؛ و بانتقال هذا الجزء سيتباطأ الزمن لديك، ولكن هذا التباطؤ لن تدركه أبداً لأن حركتك في المكان وسرعة تحركك بطيئة جداً جداً، وإن تبين لك ما أعنيه فأنت الآن في جوهر النسبية الخاصة ! 
فمثلاً بينما أنا جالس في المطار وأنت في طائرة تحلق وتتحرك بسرعة عالية مقارنةً بسكوني، فأنا أتحرك بسكوني ضمن الزمن مع أن مكاني ثابت، وأنت تتحرك بالطائرة بسرعة عالية جداً بالنسبة لي في المكان، وبهذا يتباطأ الزمن بالنسبة لك مقارنة بي.
ربما تتساءل لماذا لا نلاحظ هذا التباطؤ في حياتنا اليومية؟ في الحقيقة أن السرعات على الأرض هي سرعات ضئيلة للغاية مقارنةً بسرعة الضوء، ولتحقيق هذا التباطؤ الزمني يلزمنا سرعات تحقق نسبة 10/1 من سرعة الضوء! 
من هنا جاءت فرضية مفارقة التوأم المشهورة.
 
مفارقة التوأم, مفارقة التوائمِ

فرضية مفارقة التوأم

فمثلاً إذا كان لك أخ توأم في مثل عمرك، وقام برحلة عبر صاروخٍ يسير بسرعة تعادل 90% من سرعة الضوء(فرضية)، فبعد أن يمر عليك خمسون عاماً وأنت لازلت على الأرض وأخاك قد عاد من رحلته فستجد أنك تكبر أخاك بخمسة وعشرين عاماً يفسر هذا بأن أخاك عندما كان في عالم مصغر(الصاروخ) يتحرك بسرعة قريبة من سرعة الضوء تباطأ الزمن بالنسبة إليه لكنه لم يشعر بهذا التباطؤ إلا بعد عودته إلى الارض، هذا مفهوم نسبية الزمن وأن الزمن ليس مطلق.

برهان الفرضية رياضياً:
قام الفيزيائيان "جو هافيل" و "ريتشارد كيتنج" عام 1971 م بوضع منبهات إلكترونية عالية الدقة تقيس حتى مرتبة النانو من الزمن بعدة طائرات تدور حول العالم وبعدها قاموا بمقارنة القراءات بقراءة نفس المنبهات التي تركت على الأرض فوجدوا أن قراءة منبهات الطائرة أبطأ من قراءة منبهات الأرض بمقدار 59 نانو ثانية و صدقت نبوءة أينشتاين !
رياضياً : إليك المعادلة الرياضية الخاصة بتباطؤ الزمن

 حيث:
T'o: هي زمن الجسم المتحرك
T : هي زمن الجسم المراقب على الأرض
V : هي سرعة الجسم المتحرك
C : هي سرعة الضوء

وهي المعادلة التي طرحها أينشتاين في النسبية الخاصة، ومنه كلما زادت سرعة الجسم المتحرك في المكان واقتربت من سرعة الضوء كلما ازداد تباطؤ الزمن؛ وفي الحقيقة تم التمكن من الوصول إلى قيمة تعادل99.999946 من سرعة الضوء، لكن أين تم ذلك؟ وعلى أي مستوى؟ تابعوا معنا الإجابة في الجزء الثاني.

الشروحات خاصة وبتصرف شخصي من الكاتب

المصادر

  1. النظرية النسبية الخاصة والعامة تأليف: ألبرت أينشتاين، ترجمة: د. رمسيس شحاته
  2. تاريخ أكثر إيجازاً للزمن تأليف : ستيفن هوكينغ و ليونرد ملوندينوف، ترجمة: د. أحمد السماحي و د. فتح الله شيخ
  3. كيف تبني ألة الزمن تأليف: بول ديفيز
  4. كشف أسرار الفيزياء تأليف: جان جيبلسكو، ترجمة: م. بسام العقباني
  5. ما الثقوب السوداء تأليف: باسكال بوردي، ترجمة: محمد خلادي