مفهوم موجز للزمن !
لقد طرح أينشتاين في النظرية النسبية العامة مفهومَ البعدِ الرابع للكون مُترابِطاً مع الأبعاد المكانيةِ الثلاث تحت مسمى الزمكان النسيج المؤلف لكوننا، ليجعل من الفضاء رباعي الأبعاد.
وعلى الرغم من كلِ مارأيناه من ارتباطِ الزمان والمكان، فإنهما ليسا البتة على قدم المساواة، وليسا متساويين أومتكافئين، بل كان الزمان دائمًا -من وجهات النظرالمختلفة- متميزًا عن المكان ومتقدمًا عليه، حتى إن صمويل ألكسندر الذي رأى أنهما ندان لاينفصلان، وأكد فلسفيٍّا ما أكدته النظرية النسبية علمياً من أنه لايوجد مكان مستقل أو زمان مستقل في كوننا، بل ثمة فحسب زمانيات مكانية، تستلزم زمكان أولياً، تنبثق عنه كل الأشياء؛ عاد بعد هذا ليعلي من شأن الزمان بوصفه مبدأ تنظيم، لولاه لكان المكان كتلة مصمتة.
ومادامت مقولة الزمان بكل هذه الحيثية وكل هذه الشمولية من ناحية، ثم الهلامية المراوغة والغموض من الناحية الأخرى، فلابد أنها تحتمل النظر من ألف زاوية وزاوية ،لنخرج بألف وجهة للنظر ووجهة، وبصورة تنذر بمتاهات لإشكالية الزمان، لامخرج منها، فإن سعينا إلى تحديد الجواب بكلمات دقيقة يشتبك في مداخل عديدة للقاموس ويتقنع في شكل مفردات عديدة (كالمدة والتوالي والحركة والتغير).
تعريف الزمن
وتعريف الزمن في الفيزياء يكاد أن يكون أقل تعريفات الزمن عمقًا بالمقارنة مع المناهج الفلسفية المتباينة كما سنرى لاحقاً، لكن تريحنا نسبية أينشتاين – ولو إلى حين – من عناءِ تصوُّرِ بُرهةٍ زمنية مطلقة بالغة الامتداد، ففي النسبية، لكلِّ مرجع مكانُه و زمانُه، والزمان والمكان موجودان بقدر وجود المادة.الزمن لم يتم تعريفه بشكل مطلق- ألبرت أينشتاين
وقد عرَّفَ العرب في معجم مختار الصحاح الزَّمَنُ و الزَّمَانُ: اسم لقليل الوقت وكثيره وجمعه أزْمَانٌ و أزْمِنَةٌ، وفي معجم اللغة العربية المعاصرة: زمان ، وقت قصير أو طويل، وعفَا عليه الزَّمَن أي تجاوزته الأحداث وصار متخلِّفًا قديمًا باليًا، ونجد تعريف الزمن في قاموس أوكسفورد بأنه الإمتداد المحدود أو الفراغ المكون من الوجود المستمر، ويعرفه قاموس أوكسفورد المتقدم بأن الزمن ما هو إلا المسار المستمر من التجارب والأحداث التي تمر من المستقبل إلى الحاضر إلى الماضي.
تذكرإحدى روايات الخيال العلمي أن حاسبًا إلكترونيًّا حاول، في سياق بحثه عن طبيعة الزمن، دراسة فترة لازمنية، فعمد إلى إيقاف زمنه، لكن لم يخطر في بال الحاسب أن إيقاف الزمن يُفضي إلى توقُّف الحركة وإلى توقُّفه هو بالتالي، وإلى تجمد العالم بأسره!
وقد عرَّف جملة من علماء الفيزياء الزمن؛ فقالوا أن الزمن هو كالسيل أو النهر يتدفق باستمرار، ولكن منهم من عارض فكرة سيل الزمن و من أبرزهم عالم الفلك الأمريكي كارل ساغان بقوله:
" لو اعتبرنا أن الزمن متدفقاً أو ممتداً فبمقارنة مع ماذا سنعتبره متدفقاً فالزمن لا يمكن قياسه بواسطة الأحداث أو بواسطة الزمن نفسه!"
والزمن في فهم نيوتن للكون وقبل النسبية كان كياناً واحداً يجري للجميع بنفس الأمر ولايختلف من موضع لآخر فهو مطلق بمفهوم عام ولايتأثر بشيءٍ على الإطلاق وهذا هو الأمر الذي ثبت خطؤه فيما بعد. حيث أن النسبية الخاصة التي أطلقها أينشتاين في عام (1905) كانت الثورة التي رسخت مفهومنا عن الزمن و الكشف عن ماهيته وملابساته والسبب الرئيس وراء تميز نظرية النسبية الخاصةعن بقية أعمال أينشتاين في ذلك الوقت، بل وأعمال زملائه في عالم الفيزياء المتعارف عليها، هو أن أينشتاين تمكن من التحرر تمامًا من مفهوم الزمن بوصفه خاصية مطلقة تسير بالمعدل عينه لكل شخص و لكل شيء.
فهذه الفكرة جزء لا يتجزأ من الصورة النيوتونية للعالم، وأغلبنا يعتبرها صحيحة على نحو بديهي لدرجة أنها لاتستدعي النقاش من الأساس، وقد تطلب الأمرعبقريٍّا حقيقيٍّا لتحطيم تلك الحواجز و المفاهيم الضخمة.
فقد طرحت النظرية النسبية الخاصة فكرةً كانت ثوريةً بشأن تمدد الزمن واستطالته كما الأبعاد المكانية فاعتبرت الزمن وكأنه بعد رابع، الزمن يتباطأ و قابل للإستطالة والإنكماش وذلك عن طريق الحركة البالغة والسرعة العالية ليفتح بذلك عالماً جديداً و يربط تأثير الحركة ضمن المكان على الزمن و تأثير الأجرام فائقة الكتلة (جاذبيتها والجاذبية ترتبط بالكتلة بتناسب طردي) على تباطئ الزمن هذا ما ندعوه اليوم (نسبية الزمن) وجُل ما يوضح مفهوم الزمن هي التباطؤ والمرونة التي أبرزتها النسبية الخاصة بمعادلة شهيرة دعيت بمعادلة تباطؤ الزمن وبينت هذه المعادلة كما أسلفنا سابقاً تأثير حركة الجسم المادي و سرعته في المكان على الزمان.
المصادر
- كيف تبني آلة الزمن – بول ديفيز- ترجمة : منير شريف
- هل الزمن موجود – إيتين كلاين – ترجمة: د. فريد الزاهي
- الزمان في الفلسفة والعلم تأليف : أ.د. يمنى طريف الخولي
- قاموس أكسفورد – أكسفورد المتقدم .
- معجم مختار الصحاح
- معجم اللغة العربية المعاصرة