💡

البكتيريا الكهربية أو الكهربائية؛ أبسطُ أشكالِ الحياةِ يتغذى على الكهرباء !

البكتيريا الكهربية أو الكهربائية؛ أبسطُ أشكالِ الحياةِ يتغذى على الكهرباء !

كيف تحصل الكائنات الحية على الطاقة ؟

كلُّ كائنٍ حيٍ على وجه الأرض لابد لهُ من مصدرٍ للطاقة يعتمد عليه للقيامِ بالعمليات الحيوية اللازمة لبقائه على قيد الحياة، وعادةً ما تحصل الكائنات الحية على هذه الطاقةِ من المواد الغذائية المحتوية على السكريات خلال سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي تحدث داخل الخلايا الحية.

خلال هذه التفاعلات تتحرر الإلكترونات سالبة الشحنة وهي نفسها التي تسري في الأسلاك الكهربائية مكونةً التيار الكهربائي؛ وترتبط هذه الإلكترونات بالأوكسجين ليبدأ بعد ذلك تكوين جزيئات الطاقة ATP.

إذاً فالإلكترونات هي عُملةُ الطاقة وهذه الطريقة في الحصول على الطاقة هي الشائعة بين غالبية الكائنات الحية.

البكتيريا الكهربية

إلا أنه تم اكتشاف مجموعةٍ من البكتيريا التي تستطيع الحصول على احتياجاتها من الطاقة في صورتها النقية على شكل إلكتروناتٍ دون القيام بأية عملياتٍ معقدةٍ لتكتسب هذه الإلكترونات !

ولكن ماذا يحدث عندما لا يوجد الكثير من الأوكسجين لترتبط به هذه الإلكترونات؟ حسناً، كان على هذه البكتيريا أن تستخدم طرقاً بديلةً لربط الإلكترونات بعناصر أخرى، بالنسبة لبعض الميكروبات، بديل الأوكسجين هو المعادن.

كيفَّت البكتيريا الكهربية نظاماً غذائيا ًخاصاً يتماشى مع ظروف البيئة المحيطة بها، هذا النظام يمكنها من الحصولِ على الطاقة في أبسط صورها دون الاعتماد على الغذاء الذي يمثل مصدرَ الإلكترونات أو الأوكسجين الذي هو المستقبلُ النهائي للإلكترونات !

أماكن تواجد البكتيريا الكهربية

غالباً ما يتواجد هذا النوع من البكتيريا في بيئاتٍ فقيرةٍ بالأوكسجين مثل قيعان البحارِ والمحيطات وضفاف الأنهار والعثور عليها ليس بالأمرِ العسير، فكل ما تحتاجه للحصول على حفنةٍ من البكتيريا الكهربية هو تثبيت قطبٍ كهربائي في قاع البحر، وستبدأ البكتيريا القريبة من القطب الكهربائي بإنشاء ما يوازي شبكةَ كهرباءٍ تسمح للميكروبات الأبعد منها بالاتصال بهذا المصدر الغني بالطاقة.

تاريخ اكتشاف البكتيريا الكهربية أو الكهربائية

تم اكتشاف البكتيريا الكهربية لأول مرة عام 1987 على ضفاف نهر Potomac بالقرب من العاصمة الأمريكية واشنطن بواسطة عالم الأحياء الدقيقة Derek Lovley.

وسمي هذا النوع بـ Geobacter metallireducens، وتحصل على الإلكترونات بتحليل المواد العضوية ثم تمررها بعد ذلك خارج الخلية إلى المعادن كأكاسيد الحديد، بمعنى آخر فإنها تتغذى على المخلفات وتتنفس الحديد بدلاً من الأوكسجين.

تقوم هذه البكتيريا بإخراج الإلكترونات عبر شعيراتٍ دقيقةٍ تشبه الأسلاك تبرز من سطح الخلية. هذه الأسلاك الدقيقة لها نفس خصائص الأسلاك النحاسية من حيث التوصيلية الكهربية.

بكتيريا Geobacter metallireducens

في عام 1988 اكتشف عالم الأحياء الدقيقة كينيث نيلسون (Kenneth Nealson) من جامعة جنوب كاليفورنيا؛ نوعاً آخر من البكتيريا التي تقوم بإخراج الإلكترونات، وذلك عندما كان يحقق في ظاهرة اختفاء أكسيد المنجنيز من بحيرة Oneida في نيويورك والتي تحتوي على المنغنيز الذي يتفاعل مع أوكسجين الهواء الجوي مكوناً أوكسيد المنغنيز.

فاكتشف أن المسؤول عن اختفاء أكسيد المنغيز نوعٌ من البكتيريا سمي بعد ذلك بــ Shewanella oneidensis، إذ تتنفس هذه البكتيريا الأوكسجين عندما يكون متاحاً ولكن ندرة الأكسجين على ضفاف البحيرة ألجأت هذه البكتيريا إلى التكيف وتمرير الإلكترونات مباشرة من خلاياها إلى أكسيد المنغنيز منتجةً بذلك تياراً كهربياً، كما أن في استطاعتها تمرير الإلكترونات إلى معادن أخرى كالحديد.

كل ما سبق كان متعلقاً بالبكتيريا التي تنتج الكهرباء ولكن ماذا عن البكتيريا التي تتغذى على الكهرباء !

بحيرة Oneida

بكتيريا تتغذى على الكهرباء !

سبق وأن أشرنا إلى أن معظم الكائنات الحية تحصل على الإلكترونات من السكريات، ولكن بعض البكتيريا لها القدرة على التهام الإلكترونات من المعادن والصخور، بمعنى آخر فإنها تحصل على الطاقة من المقبس مباشرة!

اكتشفت Annette Rowe إحدى تلاميذ Nealson ستة أنواع مختلفة من البكتيريا التي تعيش في قاع المحيط وتكتسب الإلكترونات من المعادن والصخور.
قامت Rowe بتجميع عينات من رواسب قاع المحيط من ميناء Catalina على ساحل كاليفورنيا، وثم أحضرتهم إلى المختبر وثبتت مجموعة من الأقطاب الكهربية بالعينات، وقامت بتغيير الجهد الكهربي للأقطاب لترى ما إذا كانت البكتيريا ستقوم بالتهام الإلكترونات أو إطلاقها نحو الأقطاب، فوجدت أنه عند عدم وجود مصدر متاح للطاقة فإن البكتيريا تقوم بالتهام الإلكترونات مباشرةً من القطب الكهربي!

البكتيريا الكهربية تُكوِن شبكات كهربائية أيضاً !

علاوةً على ذلك فإنه من الممكن أن تتشارك الميكروبات الآكلة للإلكترونات مع تلك التي تُطلِق الإلكترونات ليكوَنوا فريقاً متصلين فيما بينهم كشبكةٍ كهربائيةٍ مما يمكنهم من نقل الإلكترونات بين بعضهم البعض!

قام Gunter Wegener الباحث في معهد ماكس بلانك؛ بتجميع عينات من الميكروبات التي تعيش في قيعان المحيطات وقام بفحصهم تحت الميكروسكوب الإلكتروني ليجد تجمعاتٍ من البكتيريا والجراثيم العتيقة Archaea التي تعمل على تحليل غاز الميثان الناتج الثانوي من عملية تحلل الطحالب والحيوانات الميتة في قيعان المحيطات.

كشفت نتيجة الفحص عن شعيراتٍ دقيقةٍ تشبه الأسلاك تبرز من خلايا البكتيريا، وعلى الرغم من أن قطرها لا يتعدى بضعة نانومتراتٍ إلا أن طولها كان يتعدى عدة ميكرومتراتٍ لتفوق بذلك طول الخلية البكتيرية نفسها - حيث يترواح طول الخلية الواحدة من3-4 ميكرومتر- ويبدو أن البكتيريا تستخدم هذه الأسلاك النانوية للارتباط بالجراثيم العتيقة !

تكتسب الجراثيم العتيقة الإلكترونات عن طريق أكسدة غاز الميثان ومن ثم تمرر الإلكترونات للجزء الآخر من الفريق (البكتيريا) عن طريق هذه الأسلاك النانوية وأخيراً تقوم البكتيريا بتمرير هذه الإلكترونات للكبريت منتجةً بذلك الطاقة التي تحتاجها.

قام الباحثون بتحديد الجين المسؤول عن إنتاج الأسلاك النانوية التي تربط البكتيريا بالجراثيم العتيقة ووجدوا أنه يتم تفعيل هذا الجين فقط عندما تستخدم الجراثيم العتيقة غاز الميثان كمصدرٍ للطاقة.

شبكة كهربائية من ميكروبات ملتصقة !

اكتشف Lovley أيضاً بعض المجتمعات البكتيرية التي يمكنها أن تتشارك الإلكترونات فيما بينها عن طريق تكوين شبكةٍ كهربيةٍ تربطهم، والمشاركة كانت بين نوعين من بكتيريا Geobacter هما G. metallireducens و G. sulfurreducens حيث تقوم بكتيريا G. metallireducens باكتساب الإلكترونات من الإيثانول وثم تمررها مباشرة إلى G. sulfurreducens عن طريق الأسلاك النانوية.

إلى جانب المشاركة بين البكتيريا والجراثيم العتيقة والمشاركة بين نوعين من البكتيريا هناك نوعٌ آخر من المشاركة المثيرة للاهتمام تحدث بين ما يطلق عليها بكتيريا الأسلاك cable bacteria التي تعيش في قاع البحار والأنهار حيث يندر الأوكسجين.

ولمواجهة هذه الظروف تقوم هذه البكتيريا التي تنتمي للعائلة Desulfobulbaceae بتكوين سلاسل بكتيرية تتألف من آلاف الخلايا ليصل طولها عدة سنتيمترات -مما يعتبر مسافةً هائلةً بالنسبة للخلية البكتيرية - حتى تصل إلى منطقةٍ ذات وفرةٍ بالأوكسجين.

تحصل أول خليةٍ بكتيريةٍ في السلسلة من الجانب الذي يندر فيه الأكسجين على الإلكترونات من صخور الكبريت في القاع ثم تنقل الإلكترونات إلى الخلية المجاورة والتي بدورها تنقل الإلكترون إلى التي تليها وهكذا حتى تصل الإلكترونات إلى الخلية الأخيرة في السلسلة والتي تقبع في المنطقة الغنية بالأوكسجين مما يمكنها من ربط الإلكترونات بالأوكسجين!

تدقيق لغوي: محمد طحان

المصدر

  1. bbc.com