هل الإندماج النووي ممكنٌ على الأرض ؟
جميعنا يعلم أن النوع الشائع مِن المُفاعلِات النووية هي تلك المفاعلات القائمة على فكرة الانشطار النووي، والقائمة على وجود كتلة لازمة من النظير المُشِع غير المستقر مثل اليورانيوم أو البلوتونيوم؛ مع وجود عدد مناسب من النيوترونات البطيئة؛ التي تقوم تتصادم مع ذرات النظير، وعادةً ما يكون ناتج هذه العملية من 2-3 نيوترونات تساعد في جعل التفاعل متسلسلا، وينتج عن انشطار النواة الأم نواتين اقل كتلةً من النواة الأم؛ وهما عادةً الكربتون والباريوم، ويوفر هذا التفاعل قدراً هائلاً من الطاقة يبلغ مقداره نحو 200 مليون الكترون فولت عند انشطار نواة يورانيوم واحدة.
هذه الطاقة تستخدم في توليد الطاقة الكهربائية وتوفير نظائر مشعة للتصنيع العسكري، وتعتبر هذه الطريقة من أفضل الطرق الحديثة المستخدمة لإنتاج الطاقة، كما أثبتت نجاحاً كبيراً في توفير كميةً أكبر بكثير من الطاقة المستخدمة في تشغيل المُفاعِل؛ إلا أنها تُعَد من أخطرِ الطرق وأقلها أماناً حيثُ ينتجُ من هذه العملية كَمَّاً هائِلاً من الإشعاعات الضارة؛ أهمها: الفوتونات ذات الطاقة العالية (أشعه غاما)، بالإضافة إلى جسيماتٍ مثل ألفا و بيتا، ونتيجةً لذلك يتجه العلماء الى استحداثِ طُرقٍ أكثر أماناً من حيث الإستخدام، وأقلَ تكلفةً لتطوير أنظمةِ مُفاعلاتٍ لا تستخدم التبريد بل تعتمد التسخين ورفعِ درجةِ الحرارة ذاتياً لاستمرارِ التفاعُلِ وتوليدِ الطاقة بشكلٍ مُستمرٍ فهل سيكون ذلك ممكناً على كوكبنا الصغير؟
يتجهُ العُلماء الآن نحو بناءِ مُفاعلاتٍ تعتمد الاندماج النووي كطريقةٍ عمليةٍ لتشغيل المحطاتِ النووية بما يسمى (التوكاماك) وهو نوعٌ من أنواع المفاعلات الاندماجية الروسية والتي تعني الغُرف الدائرية داخل المستحاثات المغناطيسية.
لكن الاندماج النووي؛ كما نعلم جميعنا؛ يحتاج إلى طاقة كبيرة جداً ليحدث؛ لذلك فهو حصريٌ للنجوم والكواكب؛ فهل سيكون ذلك ممكناً على كوكبنا الجميل ؟
يقوم المبدأ على استخدامِ البلازما الموصوفة بأنها غازٌ مُتأين تكون فيه الإلكترونات حرة وغير مرتبطة بالذرة حيث يتم رفع درجة حرارتها إلى الحرارة اللازمة للاندماج؛ وبما أن البلازما ذاتُ حرارةٍ مرتفعة جداً فيجب فصلها وإبعادها، وجعلها لا تلامس مكونات المفاعل وإلا سوف يتلف، وهذه أولى السلبيات.
لذلك الفكرة تنحصر في استخدام مغناطيسات تولِد مجالاتٍ مغناطيسيةٍ كبيرةٍ لِجعل البلازما دائماً في مسارٍ دائريٍّ، وتكمنُ الصعوبة في هذا النموذج في الحفاظ على تواصل التفاعل؛ حيثُ أن اختلاف السرعاتِ بين طبقاتِ البلازما تُسببُ تداخلاتٍ تُقلِل من درجة حرارةِ البلازما؛ مما يتطلبُ جعلَ الحقل المغناطيسي على شكلً لولبي، ولا يتم ذلك إلا عن طريق تمريرِ تيارٍ كهربائي في البلازما لرفع درجة حرارتها، وتقليلِ التداخلاتِ التي تُساهم في عملية التبريد، ذلك ما يجعلُ تشغيلَ هذه المفاعلات لفتراتٍ طويلةٍ واستمرارية التفاعل غير ممكناً، ويجعل استغلاله اقتصادياً أيضاً غير ممكنٍ إلى هذه اللحظة؛ حيثُ يعمل بشكلٍ متقطعٍ لا يُؤَمِنُ إلا كمية الطاقة المستهلكة في التشغيل، وهذا غير كافٍ ليكون هذا النظام جاهزا للاستخدام في مجال توليد الطاقة الكهربائية؛ ما يجعل الاندماج النووي في المفاعلات النووية مجالاً للبحث لا للتطبيق إلى هذه اللحظة.
ويسعى علماء الفيزياء حالياً إلى تطوير أنظمة جديدة مثل (الستيلاراتور)؛ بتصميمٍ هندسيًّ مُعقد دون الحاجة لاستخدام تياراتٍ كهربائية ضخمة لرفع درجة حرارة البلازما للاندماج، ويبقى إثبات إمكانية إنتاج طاقة أكبر من تلك المستخدمة في التشغيل لغزاً إلى يومنا هذا.