هل يؤدي تصادم بروتونين إلى تشكل ثقبٍ أسود ؟!
هل سيكون الخيال الفيزيائي سبباً لدمار الكون، أم سيكون مدخلاً لتفسير تكون الكون المعقد؟! هذا ما سنعرفه في هذه المقالة.ينوي الباحثون في مركز البحوث الفيزيائية في المنظمة الأوروبية للعلوم النووية (سيرن CERN)، ينوون تشغيل المصادم الهيدروني الكبير بطاقة قصوى تبلغ 30 تيرا إلكتروفولت (30 TeV) بحلول عام 2030، ومن خلالها سيتم إجراء تجربة تصادم بروتونين بطاقة تفوق كل ماسبقها، فماذا قد يترتب على هذه التجربة؟
بدايةً إن الهدف المتعلق بهذه التجارب هو البحث عن تفسيرٍ حقيقي لنشأة الكون من خلال اكتشاف جسيماتٍ أولية لفهمٍ أعمق لبناءِ الكون والزمكان والتأثير الكمومي، وارتباط كل ما سبق ذكرهُ مع النظرية النسبية لأينشتاين.
حسب التوقعات الحسابية الفيزيائية ستُقدِم هذه الجسيمات من وجهة نظرنا كفيزيائيين تفسيراتٍ لبعض الظواهر الكونية التي ما زالت تشكل معضلة، وحقول بحث حتى اللحظة.
نظرياً تُعد هذه التجربة من أخطر التجارب التي ستنفذ على وجه الارض بسبب الطاقة الكبيرة التي سوف ينتجها المصادم، ولكن من وجهة نظرنا كباحثين في علوم الفلك والفضاء الفيزيائية، فالأمر مختلف قليلاً.
كباحثٍ فيزيائي وبالعودة إلى معلوماتي عن الفضاء الكوني الصغير وكتلة الثقب الأسود، وبالرجوع إلى نصف قطر شوارزشيلد، فإن الكون ينقسم إلى قسمين:
الفضاء الكوني الكبير المكون من الكواكب والنجوم والمجرات، والذي يُعبَّر عنه بالأعداد الصحيحة، ولدينا أيضاً كمحاكاة ونمذجة فيزيائية عملية الفضاء الكوني الصغير المكون من البروتونات والنيوترونات والميزونات والكواركات، والذي يعبر عنه باستخدام الأعداد المركبة التخيلية (complex number) وكما تسبح الكواكب والمجرات والنجوم في الفضاء المعروف لدينا، والذي يعمل بنظام محدد وخاضعة لقوانين صارمة أيضاً فإن الجسيمات الأولية تسبح في فضاءٍ خاص بها، وهو الفضاء الكوني الصغير، وبنفس الآلية تخضع أيضاً لقوانين صارمة تحكمها.
وكما أن الفضاء الكوني الكبير يسمح بتكوين الثقوب السوداء عن طريق انفجارٍ هائل للنجوم، فإن الفضاء الكوني الصغير يسمح بذلك أيضاً والأمر هنا يتعلق بكمية فيزيائية حقيقية تسمى نصف قطر شوارزشيلد الذي يعتبر أقل نصف قطر يسمح للمادة بالبقاء في صورتها المستقرة قبل أن تنهار على نفسها وتتحول لثقب أسود.
ولكن هل يمكن أن تتحول الأرض إلى ثقبٍ أسود بسبب تجربة كهذه؟
نظرياً، نصف قطر شوارزشيلد للأرض يساوي 9 ملم، هذا يعني أنه إذا تم ضغط كوكب الأرض بطريقة معينة بحيث يكون نصف قطرها أقل من 9 ملم، فسوف تتحول الأرض لثقب أسود ذي كثافةٍ وكتلةٍ عالية وجاذبية لانهائية تجذب كل ما حولها؛ بغير ذلك لاتقلقوا لن تتحول الأرض إلى ثقبٍ أسود.إذاً فالشرط المسبق لتكون الثقوب السوداء الموجودة في الكون هو أن تكون أقل من نصف قطر شوارزشيلد، وبالتالي تتحول هذه النجوم أو الأجرام إلى ثقبٍ أسود.
الآن نتجه إلى ما سميناه بالفضاء الكوني الصغير، فإن إجراء تجربة تصادم بروتونين بطاقة قصوى كفيلٌ بتدمير الفضاء الكوني الصغير المستخدم في التجربة إلى جُسيماتٍ أولية دقيقة مختلفة، وفي تجربة أجريت هذا العام في مصادم الهادرونات الكبير (LHC) تسبب تصادم بروتون-بروتون في تكون أزواج فوتون.
إن العالم الذري الدقيق يحتوي على طاقة قد تكون أكبر بكثير مما نتوقع، ولكنها تخرج لنا في صورٍ مُختلفة عن الصورة الأولية التي نألفها، أيضاً علينا ألا ننسى الطاقة الكبيرة التي من الصعب تصورها والمستخدمة في إجراء هذه التجارب.
بعض العلماء يقولون أن نتائج التصادم هي وابلٌ من جميع أنواع الجسيمات وغيرها التي كانت موجودة فقط بعد الانفجار الكبير.
والخطر الحقيقي في تنفيذ تجارب كهذه؛ هو تكون الثقوب السوداء بطريقةٍ ما؛ عند تدمير المادة الموجودة في الفضاء الكوني الصغير، أو العالم ما دون الذري، فبالإضافة إلى تكون جُسيماتٍ أولية دقيقة، قد تنهار تلك الجسيمات على نفسها وتنجذب وتنضغط؛ لتتعدى مادتها المضغوطة نصف قطر شوارزشيلد، وهنا حتماً سوف تتحول إلى ثقوب سوداء ستشكل خطراً على المادة الموجودة في الأرض والكون.
ثقوبٌ سوداء مثل هذه قد تبتلع المادة تدريجياً وعلى مراحل؛ حيث تبدأ المادة بالتفكك ثم الانهيار بالتدريج، وحسب نظريات الثقوب السوداء فإن هذا سيجعل كوكب الأرض بالكامل عُرضةً للانهيار على نفسه، بعد أن يقوم الثقب الأسود الصغير بابتلاع كل الطاقة الموجودة ثم انهيار المادة المحيطة، وتلاشيها.
مع كل هذا التعقيد العلمي الكبير سيبقى ما ستؤدي إليه تجربة كهذه لغزاً لا يمكن التنبؤ به، وهذا التصور إذا ما نجح سيكون بنكاً كاملاً غنياً بالجسيمات الأولية التي يمكن أن تفسر لنا ما هي المادة المضادة وتكوين الكون، ولكن هل سنملك وقتاً لنعرف هذا في حال تحولت التجربة إلى كارثة كما ذكرنا آنفاً؟!