قصة جائزة نوبل؛ جائزة الموت والسلام !
لعلها إحدى مفارقات الحياة العديدة ، عاش حياته ليحتفل بإحياء الموت في مختبراته، مخترعاً لنا الديناميت، ويتركنا بعد مماته لنحتفل بموت السلام مبتكراً لنا جائزته للسلام، نوبل..الموت والسلام..!
إنه السويدي ألفرد عمانوئيل نوبل، العالِم ابنُ العالِم؛ الذي ولد عام 1833 في ستوكهولم. بدأ والده حياته كمهندسٍ مدني بارع في إنشاء الطرق، والجسور، وتوالت نجاحاتُ عمانوئيل إلى أن تكللت باكتشافه الألغام البحرية، والتي بفضلها تمكنت روسيا من كسب حرب القرم أمام فرنسا، وبريطانيا، وقد كان هذا حافزاً كبيراً لعمانوئيل لتشجيع أبنائه ودفعهم نحو عالم المتفجرات والهندسة الكيمائية!
حينها بدأت رحلة نوبل الإبن مع الهندسة الكيميائية، فزار عدة دول من العالم، وإنخرط في العديد من التجارب العملية على المواد المتفجرة، بدءاً من سائل النيتروجين، وحتى تمكن من تركيب مادة النتروغليسيرين شديدة الانفجار، في مصنعه الذي أعده له والده في ستوكهولم، وقد نجح المصنع في إنتاج كميات جيدة من المادة، ورغم أن حادثة انفجار المصنع ومقتل الأخ الأصغر له، مع عدد كبير من الكيمائيين والعمال، وتدمير عدة مصانع في السويد والنمسا أدى لإصدار عدة حكومات دولية بمنع استعمال هذه المادة، أو تصنيعها أو نقلها في أراضيها.
إلا أن ذلك لم يوقفه بل شكَّل حافزاً أكبر لألفرد نوبل لمتابعة أبحاثه على النيتروغليسيرين وجعلها أكثر أماناً واستقرارا.
فَواصَلَّ تجاربه في جزيرة نائية، وتمكن من تحويل النتروغليسيرين من الشكل السائل إلى الشكل الصلب، وتوصل إلى الاختراع الجديد "الديناميت" واستحوذ على لقب "ملك المتفجرات" !
حقيقةً لقد عُدَّ اختراع نوبل للديناميت اختراعاً عظيماً، لولاه ما حُفِرت قنواتٌ دولية كقناة بنما، ولا نُسِفت صخور الهلغات في نيويورك، ولا تمت السيطرة على نهر الدانوب، وغير ذلك من الخدمات العظيمة، كحفر المناجم واستخراج الثروات الباطنية، وحفر الأنفاق وشق الطرق لتسهيل التجارة والاتصالات، بين البشر والتي كانت أغراض سلمية في مجملها.
الوجه الآخر لنوبل !
ولكن سرعان ما بدأت الأمور تتغير من الاستخدامات السلمية؛ وذلك عندما بدأت السياسة تُسخِر هذه المادة لأغراضها العسكرية، وإدخالها إلى مصانع الأسلحة؛ فقفزت أدوات الحرب من الشكل اليدوي، إلى أشكال ميكانيكية رهيبة أكثر فتكاً، وتدميراً، وحصل عندئذٍ الطلاق بين العلم والأخلاق.ومع ذلك تابع ألفرد أبحاثه في حقل المتفجرات، وتوصل في عام 1887 إلى اختراع مادة الـ TNT، والتي استخدمت في الحروب العالمية الأولى والثانية وماتلاها من حروب.
وقد أحدثت اختراعات نوبل من المواد المتفجرة ثورة هائلة للبشرية في شتى مجالات الحياة، وكَوَنَت ثروةً ماديةً هائلةً له، ولكن ذلك على حساب البشر أحياناً.
الوصية الأخيرة: جائزة نوبل !
وفي عام 1895 وقع ألفرد نوبل وصيته الأخيرة؛ التي أوصى فيها بالجزء الأكبر من ثروته للاستثمار في مشروعات ربحية يتم بالاعتماد على ريعها منحُ خمسُ جوائزَ سنوية لأكثر من أفاد البشرية، في خمسةِ مجالاتٍ حددها: في الفيزياء، والكيمياء، والطب، والأدب، والسلام وأُضيف إليها فيما بعد العلوم الإقتصادية، وسميت الجائزة هذه بـ"جائزة نوبل".وقد أوصى نوبل بأن تقوم الأكاديمية السويدية للعلوم باختيار الفائز في مجال الكيمياء والفيزياء، وأن يقوم معهد كارولينكا بستوكهولم باختيار الفائز في مجال الطب، والفيزيولوجيا، ويقوم البرلمان النرويجي بانتخاب خمسة أشخاص ليختاروا الفائز بجائزة السلام العالمي.
كما أوصى نوبل برغبته في أن يكون الاختيار للجوائز نزيهاً وأن تُمنح الجوائز لأكثرها استحقاقاً بها بغض النظر عن جنسيته سواء كان سويدياً أو لم يكن.
وإلى اليوم لازال الجدل حول ألفريد نوبل قائماً؛ هل هو رجل حرب أم صانع سلام ؟!