💡

المادة المظلمة؛ ما بعد نموذج موند (MOND) !

المادة المظلمة؛ ما بعد نموذج موند (MOND) !

إعداد: رائد الريموني


رحلةُ البحثِ في الكون مستمرةٌ لا تعرفُ التوقفَ، ففي عام 1932؛ ظهر لأول مرةٍ افتراضُ وجود كتلةٍ مفقودةٍ وغير مرصودةٍ في الكون تحت مسمى المادة المظلمة "Dark matter".

كان "جان أورت" قد افترضها آنذاك لتفسير حسابات السرعات المدارية للنجوم في مجرة درب التبانة، وافترضها "زفيكي" فيما بعد للحصول على دليلٍ حول "الكتلة المفقودة" للسرعات المدارية للمجرات في عناقيد المجرات "clusters"، وعندما قام العلماء بمقارنة منحنيات الدوران "rotational curves" للمجرات مع كمية المادة المضيئة الفعلية الموجودة في المجرة، فكان لا بدَّ من افتراض وجود مادةٍ خفيةٍ "مظلمةٍ" وغير مرصودةٍ تساهم في ثبات سرعةِ الدوران كلما ابتعدنا عن مركز المجرة. وقد أشارت هذه الملاحظات إلى وجود المادة المظلمة في الكون!

وقد استدلَّ العلماء على وجود المادة المظلمة من آثار الجاذبية التي تمارسها على المادة المرئية وتشكل عدسات الجاذبية لإشعاع الخلفية، وكما أشرنا؛ فقد افترضنا أساساً لتفسير الفرق بين كتلةِ المجرات والعناقيد المحسوبة من خلال قوانين الحركة والنسبية العامة، وبين الكتلة المحسوبة اعتماداً على كتلة المادة المرئية "المضيئة" المرصودة والموجودة في المجرات كالنجوم والغازات والغبار بين النجوم.

ورغم أنها قدَّمت تفسيراً "مريحاً" للتشوهات الموجودة في منحنيات الدوران إلا أنَّ عملية اكتشافها لا تزال لغزاً محيراً، فالمادة المظلمة التي تحمل خصائص مختلفة ولا تشبه أيَّةَ مادةٍ نعرفها في هذا الكون، تخترق البلايين من هذه الجسيمات الغريبة أيَّ شيءٍ يعترض طريقها في كل ثانيةٍ، والتي تعتبر ثقيلةً جداً وتملك قوة جذبٍ هائلةٍ وتحافظ على تماسك المجرات وتؤثر في تكوينها وسرعة دورانها أيضاً، إلا أن أكثر خصائص هذه المادة غرابةً هي عدم تفاعلها مع الضوء وعدم إصدارها لأيِّ إشعاعٍ كهرومغناطيسيٍ، مما يعني أنها تتكون من جسيماتٍ غير مشحونة! مما زاد اللغز تعقيداً، وفشلت آلاف التجارب في مختبرات فيزياء الجسيمات حتى اللحظة في اكتشاف طبيعة هذه المادة المعقدة!.

بعد كل تلك المحاولات، قدَّم العلماءُ نموذجاً آخرَ لتفسير هذا التباين في منحنيات الدوران التي تصف سرعات دوران المجرات افتراضياً عن تلك المقاسة والمرصودة عملياً.

نموذج موند (MOND: Modified Newtonian Dynamics)

وفي عام 1983؛ نشر العالم "مردهاي ميلغرام" ورقةً بحثيةً؛ ناقش فيها نظريةً لتفسير خصائصِ المجرات المرصودة عملياً، ميلغرام أكَّد أنَّ التباينَ في سرعة دوران المجرات كان أكبر بكثيرٍ مما هو متوقَّعٌ، وأنَّ عجزَ الكتلةِ المرئيةِ عن تفسير حركة المجرات كان مرتبطاً بعدم فعالية قوانين الفيزياء الكلاسيكية حتى النسبية.

وقد قدمتِ النظريةُ تفسيراً لحلِّ هذه المشكلة دون اللجوء لافتراض وجود أي مادةٍ غير مرئيةٍ حول المجرات أو في مركزها، إنما من خلالِ تعديلٍ بسيطٍ في قوانين نيوتن، بافتراض أنَّ النجوم التي تتحرك بعيدةً عن المركز؛ فإنَّ قوةَ الجاذبيةِ المؤثرة عليها تتناسبُ مع مربَّع تسارع الجاذبية، وليس مع تسارع الجاذبية كما هو قانون نيوتن الثاني، ونموذج موند "Mond" باختصارٍ؛ هو نظامٌ رياضيٌّ يفرضُ تعديلاتٍ بسيطةً على معادلات نيوتن وقانون الجذب العام، لتكون بديلاً عن افتراض أنَّ سرعة الدوران داخل وخارج المجرة تتأثر بواسطة مادة مظلمة غير مرصودة تتوزع داخل وخارج المجرة.

وحتى الآن؛ فقد استطاع النموذج تفسير بعض الظواهر التي تحدث في المجرات وكان من الصعب تفسيرها من خلال المادة المظلمة، ويواجه هذا النموذج اليوم مشكلةً وحيدةً بأنه لا يزال غيرَ قادرٍ على تحقيق مبدأ حفظ الزخمِ والطاقة، وقد ظهرت حديثاً نظريةٌ في الفيزياء تسمى الجاذبية الإنتروبية "Entropic gravity" تؤكِّد على صحة نموذج "Mond"؛ حيث تتنبأ النظرية بأن الجاذبية تتناسب عكساً مع المسافة كبديلٍ عن قانون التربيع العكسي.

هناك العديدُ من الباحثين حول العالم ما زالوا يحاولون الوصول بالنموذج إلى صورته النهائية للوصول إلى تفسيرٍ جيدٍ وحلٍّ جذريٍّ لمشكلة "المادة المظلمة". ويبدو أن مستقبل نموذج "مردهاي ميلغرام" أقرب وأكثر منطقيةً لحل المسألة وتقديم تفسيراتٍ منطقيةٍ لظواهر مَجرّيّةٍ دونَ الحاجة لافتراض وجود مادةٍ وعدم القدرة على رصدها من غيره من النماذج.

المصادر
https://arxiv.org/abs/1605.04909
https://arxiv.org/abs/0710.1411
https://www.forbes.com/sites/startswithabang/2017/02/28/is-dark-matter-about-to-be-killed-by-emergent-gravity/#355414653591

تدقيق لغوي: محمد طحان